ومما ذكر في فضله: ما ذكره بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فيقول أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: [ الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك ].
وقيل لـأبي الدرداء رضي الله تعالى عنه: [ إن رجلاً أعتق مائة نسمة -وهذا عمل عظيم- فقال أبو الدرداء رضي الله تعالى عنه: إن مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار، وألا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله] فأثنى على العمل وقال: هذا العمل عظيم، وخير كثير؛ لكن أفضل من ذلك كذا وكذا؛ حتى يتنبه الناس إلى أن المسألة ليست بالكثرة، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم هم أعظم المربين، وأعظم المزكين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبرة ليست بالكثرة، فلا تقل: أنفقت مائة ألف، أو مليوناً، أو أعتقت كذا، وعملت كذا، فالفضيلة ليست بالكثرة وليست بالعدد.
ولهذا أراد أن ينبه من غير أن يغمط صاحب الفضل فضله، فقال: نعم، بأن كون الرجل يعتق مائة هذا كثير، لكن خير من ذلك: [ إيمان ملزوم بالليل والنهار ] أي: أن يكون الإيمان دائماً وحاضراً في الليل والنهار، ثم ذكر أمراً آخر، وهذا الأمر فيه تخفيف، وفيه رحمة للذين لا يجدون المال، فقال: [ وألا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله ]، فإن لم يكن عندك رقاب، ولا مال؛ فعندك العمل الذي لا تعذر في تركه، وتستطيعه وتملكه على أي حال ما دام لديك الوعي والعقل، وهو: ذكر الله تبارك وتعالى.
وقال معاذ رضي الله تعالى عنه: [ لأن أذكر الله من بكرة إلى الليل؛ أحب إليَّ من أن أحمل على جياد في سبيل الله من بكرة إلى الليل ]، وهذا أيضاً -كما قلنا- ليس فيه احتقار لشأن الجهاد، ولكن لأن الناس يقدرون فضل الجهاد، ويعلمون ما فيه من الأجر العظيم، والمشقة في سبيل الله، والشرف الجليل الذي يناله المجاهد؛ لكن أراد أن ينبه إلى أمر آخر؛ حتى لا يغفل عنه الناس، وهو سهل ميسور وهو: أن ذكر الله تبارك وتعالى أحب إلى الله إن قام العبد بحقيقة الذكر، وذكر الله كما ينبغي هو خير من جهاد من غير ذكر كما أشرنا.